وكالة الأنباء العراقية المستقلة بغداد ,,
بقلم فريد هلال ,
في عالمٍ يمتلئُ بالضجيجِ والكلامِ،
تتلاشى قيمةُ الصمتِ في كثيرٍ من الأحيانِ. لكن خلفَ هذا السكوتِ يكمنُ جمالٌ
وقوةٌ لا يمكنُ تجاهلُهما. كان دائمًا هناك صوتٌ يُعبّر عن المشاعرِ والأفكارِ، لكنه
ليسَ صوتَ الكلماتِ.
في خضمِّ الحياةِ المزدحمةِ، نجدُ
أنفسَنا بحاجةٍ إلى لحظاتٍ من التأملِ، حيثُ يصبحُ الصمتُ هو المنقذُ. يُعطينا
السكوتُ الفرصةَ للغوصِ في أعماقِ نفوسِنا، لفهمِ مشاعرِنا وأفكارِنا بشكلٍ أعمقَ.
في تلك اللحظاتِ، تتحولُ الكلماتُ إلى ضجيجٍ، ويصبحُ الصمتُ هو الصوتُ الأكثرَ
وضوحًا.
غالبًا ما يكونُ السكوتُ هو الوسيلةُ
الوحيدةُ للتعبيرِ عن مشاعرِ الحبِّ، الحزنِ، الأملِ، والغضبِ. فحينَ تعجزُ
الكلماتُ عن وصفِ ما نشعرُ به، يأتي السكوتُ ليكونَ بديلًا قويًّا. في العلاقاتِ،
يكونُ الصمتُ المشتركُ تعبيرًا عن الفهمِ والتواصلِ العميقِ، حيثُ يشعرُ الطرفانِ
بما لا يحتاجانِ إلى قولِه.
لكن، لا يمكنُ إنكارُ أن السكوتَ يحملُ
أيضًا دلالةً على القوةِ. فالشخصُ الذي يملكُ القدرةَ على التحكمِ في ردودِ
أفعالِه، والاختيارِ بينَ الكلامِ والصمتِ، يُظهرُ قوةً داخليةً هائلةً. في
اللحظاتِ الصعبةِ، يصبحُ السكوتُ سلاحًا يعكسُ الهدوءَ والثباتَ، بينما ينشغلُ
الآخرونَ في الحديثِ بلا نهايةٍ.
وعندما نستمعُ لصمتِ الآخرينَ، نفتحُ
أبوابَ الفهمِ العميقِ. الصمتُ يمكنُ أن يعبرَ عن مشاعرَ معقدةٍ، مثلَ الألمِ أو
الخوفِ، مما يمنحُنا فرصةً لنكونَ متعاطفينَ وداعمينَ. إنَّ القدرةَ على قراءةِ
هذا الصمتِ تكشفُ عن مستوىً عميقٍ من التفاهمِ بينَ البشرِ.
في أوقاتِ التغييرِ، يصبحُ السكوتُ
أداةً قويةً. فهو يشجعُنا على إعادةِ تقييمِ أفكارِنا، اتخاذِ قراراتٍ جديدةٍ، أو
حتى تغييرِ مسارِ حياتِنا. في هذه اللحظاتِ، يخلقُ السكوتُ مساحةً للإبداعِ
والنموِّ، حيثُ تنبثقُ الأفكارُ من عمقِ الصمتِ.
وفي نهايةِ المطافِ، يُظهرُ "صوتُ
الصمتِ" أنَّ هناكَ قوةً في الهدوءِ، وأنَّ الكلماتَ ليستْ دائمًا الوسيلةَ
الوحيدةَ للتواصلِ. فلنجعلْ من سكوتِنا قوةً تعبرُ عن كلِّ ما لا يمكنُ أن يُقالَ،
ونستمعْ لصوتِ الصمتِ الذي يدعونا إلى التأملِ والتفكرِ في معاني الحياةِ. |